الجزيرة التي تختفي وتعود: لغز جزيرة هاشيما اليابانية المهجورة التي لا يعرفها العرب

جزيرة هاشيما اليابانية

جزيرة هاشيما اليابانية

في عرض بحر ناغازاكي، وعلى بعد كيلومترات من البر الياباني، تطفو على السطح جزيرة غريبة، غامضة، وصامتة... إنها جزيرة هاشيما Hashima، أو كما يُطلق عليها البعض "جزيرة السفينة الحربية – Battleship Island". جزيرة تُشبه سفينة حربية من بعيد، لكنها في الحقيقة مدينة مهجورة فوق الماء، تختفي أحيانًا خلف الضباب، وتعود لتُروِي لزوارها حكاية عن البشر، الفحم، والعزلة.
ومع ذلك، فإن هذه الجزيرة العجيبة لا تزال مجهولة تمامًا للعرب، وكأنها سر دفن في ذاكرة اليابان فقط!

منجم الفحم العائم: البداية التي لم تُروَ

في عام 1887، كانت هاشيما مجرد قطعة صخرية في البحر، حتى اكتشفت الحكومة اليابانية آنذاك وجود مناجم للفحم تحت الجزيرة. وهنا بدأت شركة "ميتسوبيشي" Mitsubishi العمل عليها، وحولتها في غضون سنوات إلى مستعمرة صناعية مكتظة، حيث كانت من أوائل الأماكن في العالم التي تُشيّد فيها ناطحات سحاب خرسانية وسط البحر.

وصل عدد سكان الجزيرة في فترة الذروة إلى أكثر من 5,000 شخص في مساحة لا تتعدى 16 فدانًا فقط!
نعم، كانت واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية على وجه الأرض.

الحياة وسط الخرسانة والمحيط: هل كانت جنة أم جحيم؟

عاشت العائلات في هاشيما حياة أشبه بحياة النمل في خلية ضخمة، تتشارك المساكن، المرافق، والمدارس. كانت هناك سينما، مستشفى، سوق، ومدرسة ابتدائية وثانوية. لكن في نفس الوقت، لم يكن بوسع سكانها سوى النظر إلى البحر، فلا حدائق، ولا مزارع، فقط جدران رمادية وأصوات الرياح.

لم تكن الجزيرة مجرد بيت، بل كانت سجنًا من نوعٍ آخر، خاصة للعمال الكوريين والصينيين الذين جُلبوا للعمل بالإكراه خلال الحرب العالمية الثانية.

الانهيار المفاجئ: ماذا حدث لهاشيما؟

في الستينات، بدأ نجم الفحم بالأفول عالميًا مع اعتماد اليابان على النفط، وهكذا بدأت الجزيرة تفقد قيمتها الاقتصادية شيئًا فشيئًا. وفي عام 1974، اتخذت شركة ميتسوبيشي قرارها الحاسم:
إغلاق المناجم... وإخلاء الجزيرة تمامًا.

وفي غضون أيام، هُجرت هاشيما بالكامل. تُركت المساكن، المدارس، والملفات في أماكنها، وكأن سكانها غادروا على عجل هربًا من كارثة وشيكة.

الجزيرة التي تختفي وتعود: أماكن غامضة في اليابان

الطريف أن هاشيما تختفي فعليًا خلف الضباب في أوقات كثيرة من السنة، حتى يظن المارّون أنها اختفت تمامًا. وعندما تعود للظهور، يظهر معها وجهها الشاحب، وكأنها تخرج من فيلم رعب.

ومع الزمن، تحولت الجزيرة إلى أيقونة صامتة للحداثة المهجورة، ووجهة للمصورين وصنّاع السينما، كما ظهرت في أفلام عالمية مثل:

  • 🎬 فيلم Skyfall من سلسلة "جيمس بوند"
  • 📺 فيلم Gunkanjima الوثائقي

لكن رغم كل هذا، يجهل العرب تمامًا وجودها، ولا تُذكر في أي من أدلة السفر المعتادة أو المقالات العربية.

هل الجزيرة آمنة؟ وهل يمكن زيارتها؟

نعم، حاليًا تُنظَّم جولات سياحية محدودة إلى هاشيما، تحت رقابة صارمة، حيث أن البُنية الخرسانية متآكلة وخطرة في بعض المناطق.
لكن إذا كنت من عشاق استكشاف الأماكن المهجورة والغريبة، فزيارة هاشيما ستكون تجربة لا تُنسى.

🧭 ملاحظة: لا يُسمح للسياح بالتجول بحرية داخل المباني، لكن يمكنهم الصعود إلى المنصة التي تكشف جمال الخراب من مسافة آمنة.

لماذا لا نعرف عنها في العالم العربي؟

السبب بسيط: لا توجد تغطية عربية كافية عن هذا النوع من المعالم! فنحن نُركّز غالبًا على الوجهات الكلاسيكية مثل طوكيو وكيوتو، ونغفل الجوانب الغامضة من اليابان، بالرغم من وجود عدد هائل من العرب المهتمين بالأنمي والثقافة اليابانية.

أماكن غامضة في أفريقي

المدينة التي لم يزرها الزمن: أسرار بلدة تومبوكتو الطينية المدفونة في رمال مالي

في قلب الصحراء الكبرى، بعيدًا عن طرق التجارة الحديثة والمطارات الصاخبة، تختبئ مدينة أسطورية سُمّيت في كتب التاريخ بـ"عاصمة الذهب والمعرفة"، إنها تومبوكتو Timbuktu، المدينة التي يُقسم أهلها أن الزمن مرّ بها ثم نسيها خلفه.

ورغم أنها كانت ذات يوم مركزًا عالميًا للعلم والتجارة، فإنها اليوم تبدو وكأنها طيفٌ من الماضي، مدفونة تحت الرمال، لكنها حية في ذاكرة من زارها.

مدينة تومبوكتو

في القرن الرابع عشر، كانت تومبوكتو عاصمة الثقافة الإسلامية في إفريقيا. احتضنت جامعة سنكوري الشهيرة، وكانت مكتباتها تضم أكثر من 700,000 مخطوطة، بعضها يعود للقرن الثاني الهجري!

وصلت شهرتها أوروبا، وظنّ كثير من الأوروبيين أنها أسطورة، حتى أطلقوا عليها لقب "إلدورادو الصحراوية".

مدينة الكتب التي تدفن بالرمال

تومبوكتو ليست فقط مدينة طينية رائعة، بل هي رمز للمعركة بين الزمن والرمال. فكل عام، تهدد الكثبان الرملية بابتلاع شوارعها وبيوتها ومساجدها الأثرية، مثل:

  • 🕌 مسجد جينجيربير المصنوع من الطين واللبن
  • 📚 مكتبة الإمام محمد بن المختار
  • 🏫 جامعة سنكوري التاريخية

ورغم محاولات الترميم، ما زالت المدينة تواجه مصيرها المحتوم.

لماذا لا يعرفها العرب اليوم؟

الغريب أن تومبوكتو أقرب للعالم العربي من اليابان، لكنها لا تُذكر كثيرًا في الإعلام العربي، رغم أن كتبها كلها بالعربية، وعلماءها تلاميذ القيروان والأزهر.
ربما لأنها لا تملك فنادق خمس نجوم، أو لا يوجد مطار دولي فيها… لكنها تملك تاريخًا لا يُقدّر بثمن.

أماكن غامضة في أفريقي

زيارة تومبوكتو اليوم تحتاج إلى روح مغامر، وعشق للتراث، فهي مدينة خارج الزمن. بيوتها ما زالت تُبنى من الطين، وشوارعها تعجّ بحكماء يرتدون عمائم زرقاء ويتحدثون بالحكمة، وكأنك تعيش في صفحة من "ألف ليلة وليلة".


مواضيع ذات صلة للقراء:    

يوسف أشرف
يوسف أشرف
يوسف أشرف – كاتب ومحرر متخصص في أدب الرحلات والسياحة العالمية، جمع بين شغف الترحال وسحر الكلمة، ليأخذ القارئ في جولات بين جبال الأنديز، وأزقة روما، وأسواق مراكش، دون أن يغادر مكانه. بدأ يوسف مسيرته منذ أكثر من 8 سنوات في مجال الكتابة السياحية، حيث طاف عشرات المدن، ودوّن تجاربه وأحاسيسه بلغة تنبض بالحياة، تتداخل فيها رائحة القهوة التركية مع نسيم بحر الباهاما.
تعليقات